هتلر.. النازي الذي أغرق أوربا في أعنف حرب في تاريخها


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
بعد اندحار جيوشه رفض إجلاءه وأصر على الموت في برلين 
 
المصطفى مرادا:جريدة المساء  
الطغاة كثيرون، انتهوا وانقضوا.. وسيولدون و يمضون، قد يتفاوتون في وسائل الطغيان، لكنهم يتوحدون في البدايات و النهايات، أتوا إلى الحكم مسالمين ومستعطفين ليصيروا دمويين ومتجبرين،
وينتهوا مغدورين ومقتولين. من نيرون الروماني، وكاليغولا الرومانيين، مرورا بالحجاج وعباس السفاح العربيين، وصولا إلى صدام حسين والقذافي القوميين، ظل الطاغية هو الطاغية، لا يرى إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته ولا يهتم إلا لمصالحه. الطغاة وهم في أوج طغيانهم يمتلكهم الغرور والاستعلاء ولا يتعظون من دروس التاريخ ومن مصائر أمثالهم ممن سبقوهم من أصنام الطغاة.
وضعت كلارا هتلر وليدها أدولف عـام 1889. كـان أبوه مـوظـفا صغـيرا بالجمـارك،  وكـان له 5 أشقـاء وشقيقـات. كـان متعلقـا بـوالدتـه وشـديد الخـلاف مع والده لأنه كان يعارض دخوله مدرسـة الفنون.مـات أبوه عـام 1903، وبعد أربع سنوات رحلـت أمه هي الأخرى.
كـان أدولـف يحـب فـن الـرسـم فحاول الالتحاق بمـدرسـة الفنـون الجميلـة، حيث أجرى امتحـان القبـول بها، لكنه فشل، فعـاود الكـرة، غير أن رسـومـاتـه كـانـت تافهـة إلـى حـد أنها لـم تـؤهلـه للمشاركـة في الامتحانات. كـان ذلك ضربـة قاصمـة لطمـوحـه الفنـي، فدخـل أحـد الأقسـام التـي لا يريدها.
كان أدولف يتمتـع بالذكـاء في صبـاه، وقـد تـأثر كثيرا بالمحاضـرات التـي كـان يلقيهـا البـروفسـور الممجـدة للقـوميـة الألمـانـيـة. وفي الثامنـة عشرة من عمره أصبح أدولف بـلا معيل بعـد أن رحل أبـواه، فقـرر الـرحـيل إلـى فيينـا، آمـلا أن يصبـح رسامـا.
عكـف أدولـف على رسم المنـاظر الطبيعيـة والبيـوت مقابـل أجـر يسيـر. وفـي عـام 1913 انتقـل إلـى ميونيـخ لتفـادي التجنـيد الإلـزامـي.وقـد كـان يتـوق للعـيش في ألمـانيـا لعـدم وجـود أعـراق متعددة كمـا هو الحال في النمسـا. إذ كان متأثرا بالفكـر المعادي للسامـيـة، ودون في مذكّراته مقدار مقـتـه وامتعاضه من التواجد اليهودي، ومن اليهود بشكل عام. تطـوع أدولـف في الجيـش الألمـانـي وعمـل ساعـي بريد عسكـري، بينمـا كـان الكـل يتهـرب مـن هذه المهنة لخطورتها.
وبالرغم من أداء أدولف المتميز والشجاع في العسكرية، فإنه لم يرتق المراتب العليا في الجيش.
كـوَن هتلر إحساسا وطنيا تجاه ألمانيا رغم أصوله النمساوية، وصعـق عنـدمـا استسلـم الجيش الألمـانـي في الحـرب لاعتقاده باستحالة هزيمة هذا الجيش، وقد ألقى باللائمة على الساسة المدنيين في تكبد الهزيمة.
بعـد نهايـة الحرب العالمـيـة الأولـى  استمر هتلر في الجيش، واقتصر عمله على قمع الثورات الاشتراكية في ألمانيا. ولمقدرة هتلر الكلامية، تم اختياره للقيام بعملية الخطابة بين الجنود ومحاولة استمالتهم لرأيه الداعي إلى بغض اليهود.
وفـي عـام 1919 التحق هتلر بحزب العمال الألمان الوطني. وفي مذكرة كتبها لرئيسه في الحزب أوضح أنه «يجب أن نقضي على الحقوق المتاحة لليهود بصورة قانونية مما سيؤدّي إلى إزالتهم من حولنا بلا رجعة».  وفـي عام 1920 سٌـرح هتلـر من الجيـش وتفـرغ للحـزب، الذي صار زعيمه فيما بعد، فغـير اسمـه إلـى حزب العمال الألمان الاشتراكي الوطني أو «نازي» بصورة مختصرة.واتخذ الحزب الصليب المعقوف شعاراً له، وتبنّى التحية الرومانية التي تتمثل في مد الذراع إلى الأمام.
شهدت فترة حكم الحزب النازي لألمانيا انتعاشاً اقتصادياً مقطوع النظير، إذ انتعشت الصناعة الألمانية انتعاشاً لم يترك مواطناً ألمانيا بلا عمل، مما جعـل شعبية هتلر ترتفـع. وفـي مارس عام 1935 نقـض هتلر «معاهـدة فيرساي»، التـي أنهت الحرب العالمـية الأولـى عنـدما عمـل على إحياء التجنـيد الإلزامي واحتـل المنطقـة منـزوعـة السـلاح (الـرايـن) ولـم تتحـرك أي دولـة تجـاه انتهاكـات هتلـر.
ولعـل الحـرب الأهلية الإسبـانيـة كـانـت المحـك للآلـة الألمـانيـة عنـدما قـام هتلر بإرسـال قوات ألمانيـة إلى إسبانيـا لمناصـرة فرانسيسكو فرانكو الثائر علـى الحكـومـة الإسبـانيـة.
وفي أكتوبر من عـام 1936، تحالف هتلر مع الفاشي موسوليني الزعيم الإيطـالـي، وفي نوفمبـر من عام 1937 عقد هتلر اجتماعاً سريّاً مـع مستشاريه وأفصح عن خطّته السرية.
عمل هتلر على تصعيد الأمور بصدد مقاطعة ساديتلاند التشيكية، التي كان أهلها ينطقون بالألمانية ورضخ الإنجليز والفرنسيين لمطالبه لتجنب افتعال حرب. واستطاع أن يصل إلى العاصمة التشيكية براغ في 10 مارس 1939.
وفي أبريل 1941، غزا الألمان يوغسلافيا واليونان، وفي نفس الوقت كانت القوات الألمانية في طريقها إلى شمال أفريقيا وتحديداً مصر. لكن حدث تحوّل مفاجئ، فاتجهت القوات الألمانية صوب الغرب وغزت روسيا واحتلت ثلث الأراضي الروسية من القارة الأوروبية وبدأت تشكّل تهديداً قوياً للعاصمة الروسية موسكو.
وبتدنّي درجات الحرارة في فصل الشتاء، توقفت القوات الألمانية عن القيام بعمليات عسكرية في الأراضي الروسية ومعاودة العمليات العسكرية في فصل الصيف في موقعة ستالينغراد، التي كانت أول هزيمة يتكبدها الألمان في الحرب العالمية الثانية.
الانتصارات الخاطفة التي حصدها هتلر في بداية الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد في الفترة الممتدة من 1939 إلـى1942، جعلت منه رجل الاستراتيجية الأوحد في ألمانيا،  فأصابه ذلك بالغرور وعـدم تـقبـّل الأخبار السّيئة وإن كانت صحيحة. فخسارة ألمانيا في معركة ستالينغراد والعلمين وتردّي الأوضاع الاقتصادية الألمانية وإعلانه الحرب على الولايات المتحدة في 11 ديسمبر 1941، وضعت النقاط على الحروف ولم تترك مجالا للشك في بداية النهاية لألمانيا هتلر.
فمجابهة أعظم إمبراطورية (الإمبراطورية البريطانية) وأكبر أمّة (الاتحاد السوفياتي)  وأضخم آلة صناعية واقتصادية (الولايات المتحدة) لاشك تأتي من قرار فردي لا يعبأ بلغة العقل والخرائط السياسية.
فـي عام 1943 تمـت الإطاحة بحليف هتلر الأوروبـي (موسولينـي)، واشتدت شراسة الروس في تحرير أراضيهم المغتصبة، فراهن هتلر على بقاء أوروبا الغربية في قبضته، ولم يعبأ بالتقدم الروسي الشرقي. كما تمكـن الحلفـاء من الوصول إلـى الشواطئ الشمالية الفرنسيـة. وبحلـول ديسمبـر تمكـن الحلفـاء من الوصـول إلى نهر الـرايـن وإخـلاء الأراضـي الـروسيـة من آخر جنـدي ألمـانـي.
عناد هتلر أطال من أمد الحرب لرغبته في خوضها حتى آخر جندي ألماني. وفي نزاعه الأخير، رفض هتلر لغة العقل وإصرار معاونيه على الفرار إلى بافاريا أو النمسا، إذ  أصر على الموت في العاصمة برلين. وفي 19 مارس 1945 أمـر هتلر أن تدمّر المصانع والمنشآت العسكرية وخطوط المواصلات والاتصالات، وتـم تعييـن هينريك هيملـر مستشارا لألمانيـا في وصيتـه. كما قام هتلـر بإغراق أنفاق مدينة برلين حيث كان يختبئ المدنيون، إذ اعتبرهم خونة لعدم وقوفهم في وجه العدو الروسي على أبواب برلين.
وبقدوم القوات الروسية على بوابة برلين، أقدم هتلر على الانتحار. وانتحرت معه عشيقته إيفا براون في 30 أبريل 1945. وما زال عامل الاتصالات الهاتفية السابق روشوس ميش يذكر تلك اللحظة قبل ستين سنة وتحديدا في 30 أبريل 1945، حين فتح باب الغرفة في الموقع المحصن فوجد أدولف هتلر قد انتحر للتو مع إيفا براون.
لقد كان ميش، البالغ من العمر اليوم 88 عاما، آخر من بقي على قيد الحياة من المجموعة الصغيرة التي رأت الديكتاتور النازي ميتا في الموقع المحصن تحت الأرض في وسط برلين المهدمة قبيل سقوطها أمام الجيش الأحمر.
وروى ميش ما رآه قائلا: «كان هتلر جالسا في مقعد وقد انهار على الطاولة فيما كانت إيفا براون ممددة إلى جانبه».
ويضيف ميش، الذي كان مكلفا بالاتصالات الهاتفية في معقل هتلر الشخصي، قائلا: «كنا نتوقع ذلك. الأمر لم يحصل من باب الصدفة. كنا نستعد للنهاية».
ويوضح ميش، الذي كان في الثامنة والعشرين آنذاك، أن «الغرفة حيث كنت أعمل كانت في الطرف المقابل للمدخل المؤدي إلى جناح هتلر». وأضاف أنه «مع اقتراب القوات الروسية التي لم تعد سوى على مسافة بضع مئات أمتار من الموقع المحصن ودع (هتلر) في الممر الموظفين العاملين في خدمته، وطلب ألا يدخل عليه أحد. وأعطى تعليمات إلى سكرتيره وذراعه الأيمن مارتن بورمان بإحراق جثته حتى لا تلقى مصير حليفه بينيتو موسوليني، الذي أعدم وبقيت جثته معروضة على الحشود في ساحة عامة».
ويتابع ميش أن هتلر وإيفا براون «دخلا بعد ذلك» إلى شقتهما وأغلقا الباب. لا أعرف كم من الوقت مضى، ربما ساعة أو ساعتين(...) لم أسمع الطلقة النارية بنفسي لأنني كنت أعمل على أجهزة الهاتف، لكنني سمعت احدا ما يصيح: لينغي، لينغي»، مناديا هاينز لينغي خادم هتلر الشخصي.
 ويضيف ميش «انتظروا بعد ذلك عشرين دقيقة، ثم دفعوا الباب وألقيت نظرة.كان الرجل،الذي أغرق أوروبا في أعنف نزاع في تاريخها، منهارا فوق طاولة وفي رأسه رصاصة، فيما إيفا براون ممددة أرضا جثة هامدة».
وحسب المؤرخين، فإن هتلر أعطى سماً  لإيفا قبل أن يطلق رصاصة في رأسه، ثم أحرقت الجثتان في فناء الموقع المحصن، فيما أدى المقربون التحية النازية.
ويذكر عامل الهاتف السابق أن «القادة أرادوا جميعا إجلاء هتلر جوا، لكنه رفض،  مؤكدا عزمه على البقاء في برلين». وأوضح أن هتلر ظل حتى النهاية  يتوقع أن يخرج البريطانيون عن تحالفهم مع روسيا الشيوعية.

Comments

Popular posts from this blog

ماهي مبادئ الديداكتيك تابع ؟

هندسة وتدبير التعلمات : 1- كيف أدبر فضاء القسم ؟

حديث خلق الروح الاعظم :نور رسول الله حديث لم تسمعه