ويليام شكسبير.. مؤسس مسرح الإنساني

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
عظماء من تحت الصفر
معادي أسعد صوالحة:جريدة المساء 
عاشوا بيننا ذات يوم. أثـروا حياتنا بعصارة إبداعهم وخلاصة فكرهم. آثروا على أنفسهم إضاءة الطريق نحو مستقبل أفضل ليمسحوا عن جبين الإنسانية دموعها ويرسموا البسمة على شفاهها.
دفعوا الثمن عن طيب خاطر ودون تردد، بعد أن لاقوا الهوان وقاسَوا الويلات وتكبّدوا المشاق حتى قدّموا للإنسانية المعذبة ما تستحق.. وُلدوا في بيئات فقيرة ونشؤوا في ظروف حياتية صعبة وعاشـوا شتـّى صور البؤس والشقاء، لكنهم وقفوا صامدين ليصنعوا التاريخ ويُعيدوا كتابته لنا في ملاحمَ بطولية رائعة... إنهم عظماء التاريخ، الذين انهارت عليهم الأحجار وخرجوا من تحتها شامخين.. إنهم عظماء من تحت الصفر.
كان مثاراً لحديث الناس في شتّى أنحاء المعمورة. بلغت عظمته أوْجِها إلى الدرجة التي أصبح فيها شعب كالشعب الهندي مثلا يقبل على أعماله بشغف ويرتبط بإنتاجه الرائع بنفس القدر الذي نجده لدى الشعب الإنجليزي الذي ينتمي إليه».
إنه ويليام شكسبير أعظم أدباء العالم وأكثرهم خلودا على مرّ التاريخ الإنساني كله بعد أن طغت شهرته على جميع الملوك والسلاطين، الذين صالوا وجالوا وقطعوا الأرض شرقا وغربا شمالا وجنوبا، نظرا لعبقريته وعظمته.
مسرح الإنسانية الفريد
كان شكسبير شاعرا مسرحيا فذّا وممثلا ومؤلّفا بارعا، رغم نشأته المتواضعة وبيئته الفقيرة حيث قسوة ظروف الحياة، التي كان يمكن لها أن تسقط أي إنسان عن ظهرها وتلقي به بعيدا عن دائرة الضوء. ورغم ذلك قدّم للإنسانية مسرحا ليس له مثيل بعد أن قدّم من خلاله الأفكار الخالدة التي تعبّر عن النفس البشرية في شموخها وسقوطها وفي سموها وانحطاطها بالقدر الذي  جعلنا نشعر بعد خمسة قرون كأن الرجل يحيا بيننا ويستمد أفكاره من همومنا ومشكلاتنا.
عندما يموت الفشل
في بلدة ستردفورد أبون أفون بإحدى الضواحي الغربية بإنجلترا ولد شكسبير عام 1564 من أسرة فقيرة بسيطة لم تبد أي اهتمام بتعليمه في مرحلة الطفولة سوى تسجيله بإحدى المدارس المتواضعة لتلقّي مبادئ القراءة والكتابة التي بقي شكسبير تحت سيطرتها حتى حلّت ضائقة مالية بوالده فترك على إثرها المدرسة والتحق بالعمل مع والده حتى بلغ الثامنة عشرة من عمره، رغم زواجه من السيدة آن التي كانت تكبره بثمان سنوات لينجب منها أطفاله سوسن وتوأمين هما هامت وجوديث، فأضحى ملزما بالبحث عن مورد جديد للرزق بسبب تعاظم مسؤولياته حتى أصبح مضطربا لا يستقر ولا يثبت على حال.
رحلة التحوّل من الصفر
كانت منافذ الحياة قد ضاقت على شكسبير بعد أن غاص في أعماق رحلة البحث عن العيش الكريم. ولمّا كان قد وجد في نفسه قدرة على التأليف والتمثيل المسرحي التي حملها معه منذ الطفولة ونمت وترعرعت أثناء عمله المتواضع مع أبيه، قرّر أن يتجه وجهة أخرى تغيّر مجرى حياته ويبدأ معها رحلة التحوّل من خانة الصفر إلى خانة العظمة والأبدية.
وسرعان ما شدّ شكسبير الرحال إلى لندن التي أخذ يقدم فيها نفسه كممثل أولا (فشل وتعثر بعد إسناد ادوار صغيرة إليه) ثم كمسرحي محترف بعد انضمامه إلى فرقة «إيدل أوف ليستر» التي أباحت الملكة البريطانية إقامة المسارح في العاصمة من أجلها، وبدأ شكسبير من هنا رحلته مع المجد بعد أن ظهرت عبقريته واضحة جليّة وأخذ بتأليف أعماله المسرحية الخالدة (حلم منتصف الليل، هاملت، عطيل، ماكبث، الملك لير، تاجر البندقية، وغيرها من الأعمال) التي حملته لغرس اسمه بين أعظم رجال المسرح والأدب في التاريخ بعد أن قام بعملية خلق فني للطبيعة الإنسانية وليس مجرد تصويرها أو التعبير عنها.
خلق الشخصية..رسالة شكسبير
أضحت روائع المسرح المجيدة التي أتى بها شكسبير تترسخ في عوالم الفن والفكر الإنجليزي. روائع حلم بها شكسبير، وجسّد هذا الحلم من خلال خلق الشخصية في عالم الفن، شخصية الإنسان في طبيعته المتنوعة المتقلبة حيثما كان وكيفما كان. مئات من الرجال والنساء والأطفال من كل سن، من كل مزاج ولون، على أي حالة وفي كل طبيعة تجمعهم مسرحيات شكسبير حيث الطيب والخبيث، الصريح والغامض، السعيد والحزين، الطامع والقانع، العظيم والحقير... شخصيات جعلت عظمة شكسبير تكمن في كون مسرحياته لا تنقضي  مع نزول الستار بقدر ما تبقى طويلا لمئات السنين لكي نلتقي بها، ننفعل معها، نستمتع بها كما لو أنها كانت جديدة تعرض لتوّها وبقيت راسخة حتى وفاته في 23 أبريل 1616 بمسقط رأسه سترادفورد أبون أفون بإنجلترا عن عمر يناهز 52 عاما.

Comments

Popular posts from this blog

ماهي مبادئ الديداكتيك تابع ؟

هندسة وتدبير التعلمات : 1- كيف أدبر فضاء القسم ؟

حديث خلق الروح الاعظم :نور رسول الله حديث لم تسمعه