حياة ابن عثمان المراكشي
رجال صدقوا ما عاهدوا الله والشعب عليه، منهم من لقي ربه ومنهم من
ينتظر. أسماء دوى صداها في أرجاء المدينة الحمراء وخارجها وشمخوا شموخ
صومعة «الكتبية» أو أكثر،
وبصموا بأناملهم وكتبهم تاريخا ظل عصيا على المحو. لكن فئة قليلة من
الجيل الحالي من تعرفهم أو تعرف إنجازاتهم. غير أن الذين عاصروهم أو الذين
تتلمذوا على أيديهم يعتبرون أن هذا الرعيل صنع ما لم يصنعه أحد ممن سبقوهم
كل في تخصصه. «المساء» نبشت في ذكرياتهم في مراكش وخارجها، وجالست من بقي
منهم على قيد الحياة، واستمعت إلى تلامذتهم، الذين لا زالوا يعيشون جمالية
تلك اللحظات التي لازالت منقوشة في أذهانهم وقلوبهم.
هو محمد بن عثمان بن أبي بكر بن إبراهيم المسفيوي المراكشي الإدريسي، كما ورد عند العلامة محمد المختار السوسي، ومحمد بن محمد المؤقت المراكشي. تلقى تعليمه الأولي في مدينة مراكش، وتحديدا بجامعة ابن يوسف، على يد علمائها. ينتمي إلى أسرة علمية معروفة. فأخوه إبراهيم كان يشتغل بسفارة المغرب بالقاهرة، وهو الذي مهد له سبيل الرحيل إلى مصر للدراسة، وابن عمه أبو بكر بن علال المسفيوي كان قاضيا على المذاكرة.
سافر إلى مدينة الرباط لاستكمال دراسته سنة 1925، ومكث بها زهاء ثلاث سنوات، أخذ خلالها على المحدث محمد المدني بن الحسني، والشيخ أبي شعيب الدكالي، ومحمد بن عبد السلام السايح، ومحمد بن العربي العلوي. وتميز ابن عثمان بميله إلى المطالعة والمراجعة والمقارنة، بدل الاعتماد على الحفظ والرواية، كما هو شأن معاصريه من الطلبة. رحل إلى مصر للدراسة، وأخذ على كبار علمائها، وكان شديد الإعجاب بالقاهرة، وجامعتها، وعلمائها، ويسمي مصر ببلاد وادي النيل العزيز. كما كان كثير التردد على دار الكتب المصرية، والبحث عن ذخائرها، وقد عبر عن ذلك في حديثه عن إعجابه بكتاب «المخصص» لابن سيد، الذي قال عنه: «فحذا بي الشوق إلى تخصيص وقت للوقوف عليه بدار الكتب المصرية». وتتبع ما كان يجري بمصر من حوار حول قضايا علمية، مثل الحوار بين أنصار رسم المصحف القديم وأنصار كتابة المصحف بالخط العادي، فمال إلى أنصار التجديد، كما عبر عن ذلك في كتابه «الجامعة اليوسفية»، وهو رأي شيخ الأزهر آنذاك محمد مصطفى المراغي.
هو محمد بن عثمان بن أبي بكر بن إبراهيم المسفيوي المراكشي الإدريسي، كما ورد عند العلامة محمد المختار السوسي، ومحمد بن محمد المؤقت المراكشي. تلقى تعليمه الأولي في مدينة مراكش، وتحديدا بجامعة ابن يوسف، على يد علمائها. ينتمي إلى أسرة علمية معروفة. فأخوه إبراهيم كان يشتغل بسفارة المغرب بالقاهرة، وهو الذي مهد له سبيل الرحيل إلى مصر للدراسة، وابن عمه أبو بكر بن علال المسفيوي كان قاضيا على المذاكرة.
سافر إلى مدينة الرباط لاستكمال دراسته سنة 1925، ومكث بها زهاء ثلاث سنوات، أخذ خلالها على المحدث محمد المدني بن الحسني، والشيخ أبي شعيب الدكالي، ومحمد بن عبد السلام السايح، ومحمد بن العربي العلوي. وتميز ابن عثمان بميله إلى المطالعة والمراجعة والمقارنة، بدل الاعتماد على الحفظ والرواية، كما هو شأن معاصريه من الطلبة. رحل إلى مصر للدراسة، وأخذ على كبار علمائها، وكان شديد الإعجاب بالقاهرة، وجامعتها، وعلمائها، ويسمي مصر ببلاد وادي النيل العزيز. كما كان كثير التردد على دار الكتب المصرية، والبحث عن ذخائرها، وقد عبر عن ذلك في حديثه عن إعجابه بكتاب «المخصص» لابن سيد، الذي قال عنه: «فحذا بي الشوق إلى تخصيص وقت للوقوف عليه بدار الكتب المصرية». وتتبع ما كان يجري بمصر من حوار حول قضايا علمية، مثل الحوار بين أنصار رسم المصحف القديم وأنصار كتابة المصحف بالخط العادي، فمال إلى أنصار التجديد، كما عبر عن ذلك في كتابه «الجامعة اليوسفية»، وهو رأي شيخ الأزهر آنذاك محمد مصطفى المراغي.
العودة من مصر
ولما عاد إلى المغرب تصدر للتدريس في كلية ابن يوسف، وقد أقيم له حفل ترحيب وتهنئة بالمناسبة، ألقيت فيه خطب وقصائد.
وفي هذه الفترة تعرف إلى المرحوم عبد الله الجراري، خلال رحلته إلى مراكش سنة 1935، فقد استقبله في بيته بمعية عدد من العلماء، الذين لزموه كذلك، وهم محمد المختار السوسي، وعبد الجليل بلقزيز، وإبراهيم الألغى، ومحمد بن عبد الرزاق الفاسي، وأحمد بن الفاضل، وغيرهم، وكان ذلك في قبة أنيقة بمنزله على الطراز المراكشي بحومة المواسين، ووصف المؤلف نفس المكان بقوله: «واستقبلنا في قبة بمنزله عليها رونق وبهجة».
كما كانوا ينظمون زيارات استطلاع واستجمام إلى بعض المآثر التاريخية لجنان الحارتي، وحدائق المنارة، وأكدال، ومدرسة ابن يوسف، وضاحية مراكش «أمزميز»، وزيارات علمية إلى بعض المدارس الحرة كمدرسة المختار السوسي، ومدرسة محمد بن عبد الرازق الفاسي، وجامع ابن يوسف، حيث تلقى الدروس العلمية والدينية. وكانت تدور خلال هذه اللقاءات مناقشات علمية ومساجلات أدبية ممتعة، نذكر منها أن ابن عثمان طالع في عدد من مجلة «الرسالة» المصرية مقالا افتتاحيا في السيرة النبوية. ولعل من أهم الأحاديث، التي دارت بين الجراري وابن عثمان خلال تلك الرحلة إلى مصر حديث حول الصحف والمجلات وملاحظة ابن عثمان المراكشي وافتقار المغرب لها، إذ اقترح إصدار مجلة بمراكش يعرب فيها عما يختلج بداخله، وما يقع من ألوان القضايا والأحداث، وكل ما ترمي إليه النفوس من أدب وأخلاق، ومجابهة أصحاب الدعاوى العريضة، التي ملأت الفضاء وقاحة وجهلا، كما قال.
واقترح بعض الحاضرين إصدار توليفات أدبية وعلمية أسبوعية، بدل المجلة الشهرية، فذلك أفيد وأفضل، وبقي التفكير في الوسيلة التي هي المطبعة، فقال ابن عثمان إن بمقدوره إحضار مطبعة من الطراز العالي بمبلغ مائة ألف فرنك، يتبرع هو بعشرة آلاف فرنك منها، ويتبرع آخرون بالباقي. وأعرب الكل عن فوائد هذا العمل إذا تم في كل الجوانب الدينية والعلمية والثقافية.
وفي هذه الفترة تعرف إلى المرحوم عبد الله الجراري، خلال رحلته إلى مراكش سنة 1935، فقد استقبله في بيته بمعية عدد من العلماء، الذين لزموه كذلك، وهم محمد المختار السوسي، وعبد الجليل بلقزيز، وإبراهيم الألغى، ومحمد بن عبد الرزاق الفاسي، وأحمد بن الفاضل، وغيرهم، وكان ذلك في قبة أنيقة بمنزله على الطراز المراكشي بحومة المواسين، ووصف المؤلف نفس المكان بقوله: «واستقبلنا في قبة بمنزله عليها رونق وبهجة».
كما كانوا ينظمون زيارات استطلاع واستجمام إلى بعض المآثر التاريخية لجنان الحارتي، وحدائق المنارة، وأكدال، ومدرسة ابن يوسف، وضاحية مراكش «أمزميز»، وزيارات علمية إلى بعض المدارس الحرة كمدرسة المختار السوسي، ومدرسة محمد بن عبد الرازق الفاسي، وجامع ابن يوسف، حيث تلقى الدروس العلمية والدينية. وكانت تدور خلال هذه اللقاءات مناقشات علمية ومساجلات أدبية ممتعة، نذكر منها أن ابن عثمان طالع في عدد من مجلة «الرسالة» المصرية مقالا افتتاحيا في السيرة النبوية. ولعل من أهم الأحاديث، التي دارت بين الجراري وابن عثمان خلال تلك الرحلة إلى مصر حديث حول الصحف والمجلات وملاحظة ابن عثمان المراكشي وافتقار المغرب لها، إذ اقترح إصدار مجلة بمراكش يعرب فيها عما يختلج بداخله، وما يقع من ألوان القضايا والأحداث، وكل ما ترمي إليه النفوس من أدب وأخلاق، ومجابهة أصحاب الدعاوى العريضة، التي ملأت الفضاء وقاحة وجهلا، كما قال.
واقترح بعض الحاضرين إصدار توليفات أدبية وعلمية أسبوعية، بدل المجلة الشهرية، فذلك أفيد وأفضل، وبقي التفكير في الوسيلة التي هي المطبعة، فقال ابن عثمان إن بمقدوره إحضار مطبعة من الطراز العالي بمبلغ مائة ألف فرنك، يتبرع هو بعشرة آلاف فرنك منها، ويتبرع آخرون بالباقي. وأعرب الكل عن فوائد هذا العمل إذا تم في كل الجوانب الدينية والعلمية والثقافية.
اشتباك ثيران
وقد دارت مساجلة أدبية رفيعة بين هؤلاء العلماء أثناء زيارتهم، أمزميز
وصفوا فيها اشتباكا وقع بين بعض الثيران، وعبروا عن ذلك بقصيدة تناوبوا في
ارتجال أبياتها الواحد بعد الآخر، شارك فيها: المختار السوسي، وعبد الله
الجراري، وأحمد بن الفاضل تقع في أربعين بيتا، ارتجل منها ابن عثمان
الأبيات التالية:
كنا نطل بربوة وأمــامنا
من ذاك مــا هو غاية السلوان
يهوى فتظهر نفـرة ولوأنها
رضيت بكل فؤادها الجذلان يختال من فرح وطيب تلذذ
تبدو عليـه نشوة السكران
لكأنما والصب لا ينسى الهـوى
قد هجت ما قد هجت في الإخوان
وكانوا يستفسرون طلبة المدارس عن دروسهم ومحفوظاتهم ويستمعون إلى دروس العلماء كدروس محمد بن عثمان في شرح صحيح البخاري ليلا، ودرس له في المنطق ولخصه المؤلف، وسجل ما ورد فيه من معلومات، وكيفية تقديم المحاضر لها بشكل تدريجي يحبب العلم للمتلقين. ووصف «صاحب الرحلة» ما كان عليه مسجد ابن يوسف من تألق علمي، وإقبال على الدروس فقال: «فدخلنا متلهفين، فإذا هو يتدفق علما وفقها... وإنها ثمانية دروس دفعة واحدة بمختصر خليل رحمه الله في البيوع، والطلاق، والضحية، والخصائص، والطهارة، مندهشين في هذا الفيض العلمي المشبع».
ووصف الجراري كلية ابن يوسف ليلا، فقال: «ثم قفلنا مارين بالكلية اليوسفية، فإذا هي تتلألأ وتضيء باختلاف الدروس صرفا ونحوا، ألفيات أربع تدرس...».
وسأل ابن عثمان الضيوف كيف رأوا مسجد ابن يوسف، فقالوا «فأخبرناه الحقيقة متشكرين من رجاله وعلمائه واجتهادهم المتتابع، وبالأخص الذين أخذوا ينهضون ويجددون، فأدخلوا إليه المنطق البيداغوجي، والتاريخ، وقوانين ابن جزي، والكامل للمبرد وأشباه هذه، والفنون والمؤلفات التي تذلل الطريق في وجه التلميذ، حتى يصل إلى الهدف في أسرع وقت، فضلا عن الدروس الأدبية، التي يتلقاها بروح جديد يبت فيه الوعي والنشاط».
كنا نطل بربوة وأمــامنا
من ذاك مــا هو غاية السلوان
يهوى فتظهر نفـرة ولوأنها
رضيت بكل فؤادها الجذلان يختال من فرح وطيب تلذذ
تبدو عليـه نشوة السكران
لكأنما والصب لا ينسى الهـوى
قد هجت ما قد هجت في الإخوان
وكانوا يستفسرون طلبة المدارس عن دروسهم ومحفوظاتهم ويستمعون إلى دروس العلماء كدروس محمد بن عثمان في شرح صحيح البخاري ليلا، ودرس له في المنطق ولخصه المؤلف، وسجل ما ورد فيه من معلومات، وكيفية تقديم المحاضر لها بشكل تدريجي يحبب العلم للمتلقين. ووصف «صاحب الرحلة» ما كان عليه مسجد ابن يوسف من تألق علمي، وإقبال على الدروس فقال: «فدخلنا متلهفين، فإذا هو يتدفق علما وفقها... وإنها ثمانية دروس دفعة واحدة بمختصر خليل رحمه الله في البيوع، والطلاق، والضحية، والخصائص، والطهارة، مندهشين في هذا الفيض العلمي المشبع».
ووصف الجراري كلية ابن يوسف ليلا، فقال: «ثم قفلنا مارين بالكلية اليوسفية، فإذا هي تتلألأ وتضيء باختلاف الدروس صرفا ونحوا، ألفيات أربع تدرس...».
وسأل ابن عثمان الضيوف كيف رأوا مسجد ابن يوسف، فقالوا «فأخبرناه الحقيقة متشكرين من رجاله وعلمائه واجتهادهم المتتابع، وبالأخص الذين أخذوا ينهضون ويجددون، فأدخلوا إليه المنطق البيداغوجي، والتاريخ، وقوانين ابن جزي، والكامل للمبرد وأشباه هذه، والفنون والمؤلفات التي تذلل الطريق في وجه التلميذ، حتى يصل إلى الهدف في أسرع وقت، فضلا عن الدروس الأدبية، التي يتلقاها بروح جديد يبت فيه الوعي والنشاط».
Comments
Post a Comment